أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا خلال زيارته إلى السعودية، في خطوة مفاجئة نقلت سياسة واشنطن تجاه دمشق إلى مسار جديد، وفقًا لتحليلات من مركز أتلانتيك كاونسل. وجاء هذا القرار بعد خمسة أشهر على انهيار نظام بشار الأسد، الذي أطاحت به هجمة خاطفة للمعارضة بقيادة أحمد الشرع، القائد السابق لفصيل المعارضة والرئيس المؤقت لسوريا حاليًا.
فصل جديد لسوريا؟
مثّل رفع العقوبات خطوة حاسمة نحو إنعاش الاقتصاد السوري المنهار وفتح الطريق لإعادة الإعمار بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية. وتعهدت حكومة الشرع ببناء دولة أكثر شمولًا وتسامحًا، بعيدًا عن ممارسات النظام السابق. ورغم ذلك، ظلت الشكوك قائمة بسبب المزاعم الأمريكية بارتباط الشرع السابق بجماعات متطرفة.
مكاسب استراتيجية وتداعيات إقليمية
رأى قتيبة إدلبلي، الباحث في أتلانتيك كاونسل، أن القرار قد يمهد لانتصار أمريكي طويل الأمد عبر تقليص نفوذ روسيا والصين. وأشار إلى تحركات براجماتية من حكومة الشرع، مثل ملاحقة شبكات تهريب المخدرات والانفتاح على القوات الكردية، مما يعكس رغبة في التعاون مع الغرب.
كيرستن فونتنروز، المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي، ذكرت أن السعودية وتركيا لعبتا دورًا محوريًا في إقناع ترامب برفع العقوبات. وتوقعت أن تسعى الرياض للحصول على عقود إعمار ضخمة، مع إبقاء إيران خارج المعادلة، بينما تحاول روسيا استعادة نفوذها، وقد تبدأ طهران حملة دبلوماسية لإعادة تموضعها في الساحة السورية.
الشكوك وشروط النجاح
ورغم بوادر الانفتاح، حذّرت سارة زعيمي، الباحثة في شؤون الأقليات، من احتمال عودة العنف الطائفي إذا غاب الضغط الأمريكي. وأشارت إلى صدامات حديثة مع طوائف علوية ودروز، معتبرة إياها مؤشرات مقلقة.
ووصف دانيال شابيرو، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، قرار ترامب بأنه "مخاطرة محسوبة"، لكنه دعا الكونجرس إلى وضع آليات لإعادة فرض العقوبات إذا فشل الشرع في تطبيق الإصلاحات.
ارتياح شعبي وتحديات اقتصادية
قدّم رفع العقوبات بصيص أمل للسوريين بعد سنوات من الضيق. ووصفت أماني قدور، العاملة في المجال الإنساني، الأثر المدمر للعقوبات على قطاعات الصحة والتعليم، مؤكدة أن التعافي مستحيل دون استثمارات دولية.
في المقابل، نبّهت كيمبرلي دونوفان، المتخصصة في شؤون العقوبات، إلى تعقيدات المرحلة القادمة، نظرًا لتصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، ولارتباط الشرع بجماعة هيئة تحرير الشام المصنفة أمريكيًا كإرهابية. ودعت إلى نهج تدريجي لتفادي نتائج غير مقصودة.
العدالة والمساءلة
شددت سيليست كمياتِك، المحامية المتخصصة في حقوق الإنسان، على ضرورة الإبقاء على العقوبات الفردية ضد مسؤولي نظام الأسد السابق لضمان المساءلة. واقترحت إنشاء "صندوق ضحايا سوريا" لتوجيه غرامات انتهاك العقوبات نحو تعويض الناجين.
إعادة تموضع دولي
يتماشى القرار الأمريكي مع مواقف الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، اللذين خففا بدورهما بعض العقوبات. واقترحت مايا نيكولادزه اتباع النهج الأوروبي التدريجي، مع التركيز على قطاعات المال والطاقة لجذب الاستثمار الأجنبي.
ورأى عمر أوزكيزيلجيك أن القرار يشكّل نصرًا دبلوماسيًا للسعودية وتركيا بعد جهود ضغط منسقة، ما قد يفتح المجال لتعاون إقليمي أوسع.
تحديات ما بعد العقوبات
ورغم أهمية الخطوة، حذّرت ليزي دي كروييف من أن غياب دعم مالي كبير من واشنطن وحلفائها قد يترك سوريا عرضة للهيمنة الصينية أو الروسية أو الخليجية، مما يقوّض فرص الاستقرار طويل الأمد.
خلاصة
جسّد قرار ترامب نقطة تحول في العلاقات الأمريكية السورية، مانحًا فرصة للتعافي، لكنه حمل في طياته مخاطر جسيمة. وسيتوقف نجاح هذا التوجه على قدرة الشرع على الحكم بشمولية، واستعداد القوى الإقليمية لدعم الاستقرار، والتزام المجتمع الدولي بإعادة الإعمار، لا بمجرد رفع العقوبات. ويبقى السوريون بانتظار ترجمة هذا القرار إلى واقع ملموس، وفقًا لتحليلات مركز أتلانتيك كاونسل.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/experts-react/experts-react-trump-just-announced-the-removal-of-all-us-sanctions-on-syria-whats-next/